تم إضافة 9٬686 بايت
، قبل 11 سنة
== الحق في المعرفة ==
المعرفة قوة Knowledge is power.
الحق في المعرفة هو حق إنساني أصيل لا يتحقق بشكله الكامل إلا إذا وصلنا إلى تحرير المعرفة مما فرض و يفرض عليها من قيود. و الحق في المعرفة هو حق متسع يشمل ثلاثة مجالات و هي:
الحق في المعرفة العلمية (المعرفة المفتوحة
الحق في المعرفة التاريخية (فتح الأرشيفات؛ مراجعة التاريخ)
الحق في معرفة الواقع المعاش (الحق في الوصول إلى المعلومات و تداولها)
و سوف نتعرض في هذه المحاضرة لكل واحد من هذه المجالات و نناقش اهميته و ما يفرض عليه من قيود و الآثار المترتبة على الحرمان من هذا الحق و بعض ما نرى أنه خطوات في سبيل الحصول على هذا الحق.
و بداية سوف نتحدث عن الحق في المعرفة العلمية و لندرك اهمية هذا الحق يجب ان ندرس كيفية بناء المعارف البشرية.
تُبنى المعرفة البشرية بالتراكم، اي ان تَعلّم الإنسان لما انتجه مَن سبقوه يتيح له ان ينتج إضافته الخاصة إلى المعرفة البشرية. بدون هذا التراكم يكون على الإنسان إعادة إختراع العجلة، مما يؤدي إلى اهدار الموارد في إكتشاف و بناء ما تم اكتشافه و بنائه بالفعل و يحرم من لا يملك حق التعلم من هذه المعرفة من إمكانية بناء معرفته الخاصة و المشاركة في دفع عجلة البشرية إلى الأمام.
و لعل أفضل من عبر عن هذه الفكرة هو إسحق نيوتن عندما قال : إذا كنت قد رايت ابعد من غيري فذلك لاني اقف على اكتاف عمالقة (العلماء الذين سبقوني)
If I could see further, its only because I stand on the shoulders of giants
إلا ان المنظومة الحالية للملكية الفكرية تؤسس لهدم مبدأ تراكم المعرفة و تتيح إحتكار المعرفة و حجبها عن البشرية بهدف خلق قيمة إقتصادية لهذه المعرفة. فمن خلال هذه المنظومة، تحولت المعرفة من ملكية عامة للبشرية تدفع عجلة التطور إلى سلعة تباع لمن يستطيع ان يدفع الثمن.
و يروج مناصروا هذه الفكرة لها بأن يدعوا ان السماح باحتكار المعرفة و تقنين هذا الاحتكار إنما يؤسس لإقتصاد قائم على المعرفة و يتيح لكل مؤسسة أو دولة ان تنتج معرفتها و تحتكرها و تبيعها لمن يحتاجها و بالتالي تخلق مصدر للدخل يشجع منتجوا المعرفة على إعادة الإبتكار و الإبداع.
إلا ان هذه الإدعائات تخالف الواقع و تخفي الكثير من الضرر بالذات للدول الأفقر. فحجب المعرفة عن الأفقر يحرمه من فرصة التعلم من خبرات من سبقوه و بالتالي يصبح غير قادر على إنتاج إضافته إلى المعرفة البشرية و المشاركة في هذه المنظومة الإقتصادية المبنية على المعرفة. فلا يكون له إلا سبيل من أثنين، الأول إعادة إنتاج المعرفة من الصفر، و هذا بالطبع غير عملي و غير واقعي حيث انه، كونه الأفقر، لا يمتلك ما يكفي من الموارد لإعادة بناء هذه المعرفة. كما ان موارده تستنزف في الحصول على نتاج هذه المعرفة ذاتها. و بإفتراض ان الدول الأفقر تمتلك رفاهية إنفاق نفس النسبة من الدخل القومي على البحث العلمي، فإن هذه النسبة كقيمة تمثل نسبة صغيرة من إنفاق الدول الأغنى، كما ان حجم المعرفة التراكمية الموجودة لدى الدول الأغني و التي تشكل الأساس لأي عملية تطوير لمعرفة إضافية أكبر بكثير، مما يضمن ان ما سينتجه الأفقر من معرفة ستظل أقل كماً و مستوى من المعرفة الموجودة لدى الدول و المؤسسات الأغنى و أن الفجوة بين حجم و قيمة المعرفة المتراكمة في الدول الأغنى و تلك المتراكمة في الدول الأفقر ستستمر في الزيادة.
أما الخيار الثاني فهو الحصول على هذه المعرفة عن طريق ما تصنفه منظومة الملكية الفكرية بسرقة المعرفة، و هو ما لجأت إليه دول مثل اليابان بعد الحرب العالمية الثانية و الصين في العقود الأخيرة لكونه الخيار الوحيد العملي المطروح للحصول على المعرفة. و تضع منظومة الملكية الفكرية الحالية الأسس و القواعد لمعاقبة من يسعى للحصول على المعرفة من هذا السبيل، و تمتد هذه العقوبات من معاقبة الأفراد بالحبس و الغرامة إلى معاقبة الدول عن طريق العقوبات الإقتصادية و الحصار الإقتصادي.
أما عن الإدعاء بان العائد المادي الناتج من بيع نتاج المعرفة يحفز الإبداع و الإبتكار و إنتاج المزيد من المعرفة، مما يحقق أكبر منفعة ممكنة للبشرية بشكل عام فهو على افضل الفروض إدعاء صحيح بشكل جزئي. فإرتباط هذا الحافز في المنظومة الحالية للملكية الفكرية بحجب المعرفة يعنى ان من انتج المعرفة في بادئ الأمر و احتكرها هو وحده من له حق البناء على ما توصل إليه من معرفة، و بما انه ليس هناك مِن ضامن لأن من أنتج المعرفة هو الأجدر و الأقدر على تطويرها، فإن هذا الاحتكار يحرم البشرية من فرص تطوير هذه المعرفة على يد من هم أجدر و أقدر من منتجها الأصلي و بالتالي يحرم البشرية من تحقيق أفضل إستفادة من هذه المعرفة.
كما دراسة النظام الإقتصادي القائم على منظومة الملكية الفكرية يظهر بوضوح ان من يحقق أكبر قدر من العائد الإقتصادي هو المؤسسات التي تحتكر ما ينتجه المبدعين من المعرفة، حيث تقوم هذه المؤسسات بتشغيل المبدعين بأجر و احتكار إنتاجهم الفكري. و بما ان هذه المؤسسات هي كيانات تهدف للربح فإن هدفها الرئيسي هو زيادة أرباحها و ليس إنتاج المزيد من المعرفة، و مع كون عملية الإبداع عملية ليست مضمونة النتائج و تحتوى على بعض المخاطر من الناحية المالية، فإن هذه المؤسسات تنفق على العملية الإبداعية في أضيق الحدود و يكون أكبر اوجه إنفاقها على حماية ما تحتكره من معرفة و بيعه بأعلى سعر ممكن. و لعل ابلغ دليل على ذلك ما تقوم به هذه المؤسسات في حالة دخولها في الضائقة المالية من تخفيض الإنفاق على البحوث و التطوير و التركيز على المبيعات و التسويق.
و مما يقلل أكثر من كفائة هذه المنظومة في إنتاج المعرفة هو إلتجاء كثير من هذه المؤسسات إلى إعادة إنتاج معرفة موجودة بالفعل لدى منافسيها لخلق فرصة لزيادة دخلها بدون اضافة حقيقية للمعرفة البشرية. و مما يزيد الوضع سوءا انه نتيجة للمنافسة، فغالبا ما ينتهي الأمر إلى أن يتبقى عدد قليل من الشركات في مجال المنافسة بينما يفلس أغلبها أو يتوقف عن محاولة المنافسة في هذا السوق، و نتيجة لذلك فإن الغالبية العظمى من هذه المعرفة المنتجة، نتيجة لحجبها، ينتهى بها الأمر إلى الضياع.
و في اغلب الظن، فإن من يروج لهذه المنظومة من دول و مؤسسات يقوم بذلك بشكل واعي تماما لنتائج هذه المنظومة من توسيع الفجوة الإقتصادية و المعرفية و تحويل الدول و الشعوب الأفقر إلى سوق دائم لسلعة لا تنتهي و هي نتاج هذه المعرفة، بل أكثر من ذلك، بحيث يتم إخضاعهم إقتصاديا و السيطرة على قراراتهم السياسية.
و لعل أبلغ أمثلة على ذلك ما يحدث في صناعة إنتاج البذور، حيث