سطر 1: |
سطر 1: |
− | مسودة مقالة للنشر في موقعنا
| + | خلال العقد الماضي تعرّفت مجموعات عديدة ومنظمات مجتمع مدني و حقوقيون و مؤسسات إعلامية و مبادرات فنية و ثقافية على الرخص الحرّة، و هي تراخيص للمحتوى و البرمجيات و الإنتاج المعرفي بأنواعه يمكن اختصار فحواها في عبارة ”بعض الحقوق محفوظة“ بدلا من عبارة ”كُلّ الحقوق محفوظة“ المستنسخة بلا تمعّن في أغلب الحالات. فصارت بعض تلك المؤسسات و المجموعات تنشرُ برخصٍ سَمِحَةٍ (permissive) إنتاجها المعرفي من بيانات مجموعة و أرشيفات و دراسات و تقارير و رسومات بيانية و إنفوغرافيّات. بدت أهمية ذلك في الفترة التالية على ثورة 2011 التي شهدت انفجارا إبداعيا في مختلف الوسائط و اهتماما بالنشر و الأرشفة. |
− | ----
| |
| | | |
− | خلال السنوات القليلة الماضية تعرّفت مجموعات عديدة ومنظمات مجتمع مدني و حقوقيون و مؤسسات إعلامية و مبادرات فنية و ثقافية على الرخص الحرّة، و هي تراخيص للمحتوى و البرمجيات و الإنتاج الفكري بأنواعه يمكن اختصار فحواها في عبارة "بعض الحقوق محفوظة" بدلا من عبارة "كُلّ الحقوق محفوظة" المستنسخة بلا تمعّن في أغلب الحالات. فصارت بعض تلك المؤسسات و المجموعات تنشر برخص حرّة كلّ إنتاجها المعرفي في مجالها أو بعضه. بدت أهمية ذلك في الفترة التالية على ثورة 2011 التي شهدت انفجارا إبداعيا في مختلف الوسائط و اهتماما بالنشر و الأرشفة. | + | هذا التبني لأطراف نموذج المعرفة الحرّة و التيّار الفكري الذي يحملها دخل إلى مجال المجتمع المدني في مصر جاء نتيجة عمل دعاة المصادر الحرّة و المعرفة الحرّة و نشاط مجموعات البرمجيات الحرّة خلال السنوات العشر الماضية، و هو في الحقيقة اتّجاه لم يلق مقاومة في الوسط الحقوقي، بل لقي ترحيبا بحكم تبنّي كثير من مجموعات النشطاء و المؤسسات الحقوقية المنظومة القيمية التي تنبع منها ممارسة النشر برخص حرة، و اتّفاقها مع أهدافها العامة من إتاحة المعرفة و كونها في الأصل عاملة على التغيير الاجتماعي الذي يستلزم نشر المعلومات و تغيير المفاهيم، في حين أنّ ممارسة النشر ”بكل الحقوق محفوطة“ لم تكن سوى ممارسة متوارثة سائدة بلا تمحيص، و غالبا مُقحمة بفعل المصممين و الطبّاعين و بنّائي مواقع الوِب بلا قصد فعلي من أصحاب المحتوى أنفسهم، لذلك كان ظهور فئة من المصممين الذين تبنوا بأنفسهم الرخص الحرة و السمحة مؤثرا للغاية. |
| | | |
− | هذا التبني لنماذج المعرفة الحرّة و التيّار الفكري الذي يحملها دخل إلى مجال المجتمع المدني في مصر نتيجة عمل دعاة المصادر الحرّة و المعرفة الحرّة و نشاط مجموعات البرمجيات الحرّة خلال السنوات العشر الماضية.
| + | لكننا سريعا ما نلاحظ أن اختيارات تلك المؤسسات من تنويعات الرخصة التي اختارتها، و هي رخصة المشاع الإبداعي، ليست بالضرورة هي المثلى لو أخذنا في الاعتبار أهداف تلك المؤسسات من المحتوى الذي تنتجه و طبيعة إنتاجه. فالمؤسسات التي تنشر محتوى برخص سَمِحَة نجدها تختار تنويعة الرخصة التي تتضمن اشتراط عدم الاستغلال التجاري للمصنّف المُرخّص، أي شرط”غير التجاري“ (NonCommercial)، و هو ما يجعلها تقتصر على كونها سَمِحَةً لا حُرَّةً، و يكون من نتائجه: |
| | | |
− | من أمثلة المؤسسات التي تبّنت الرخص الحرة في [[مسح_لرخص_محتوى_المؤسسات_الحقوقية|المسح السريع الذي أجريناه]]: | + | * استبعاد المحتوى من التوافق مع متن مُتنامٍ من المحتوى الحرّ، حتّى في حال السماح بالاشتقاق كان يُمكن أن يشكّل إلى جانب المحتوى الذي تنتجه تلك الجهات مدخلات لصيرورات إنتاج فكري أكثر تقدُّما و تعقيدًا، بالبناء عليها. |
| + | * يجعل المحتوى غير متوافق مع محتوى مستودعات ضخمة متنامية من المحتوى التشاركي الحرّ تديرها و ترعاها مجموعات ممتدة من منتجي المعرفة، من أمثلة تلك المستودعات ويكيبيديا و مشروعات ويكيميديا الأخرى و مستودعات أخرى للمحتوى الحرّ، تشكّل مراكم للإنتاج الفكري الحرّ الجيّد، و هي بحكم طبيعتها تضمن فرصة بقاء لتلك الأعمال تفوق قدرة منتجيها، و كذلك فرصة لانتشار ذلك المحتوى المعرفي و تعريف جمهور أوسع مكانيا و زمانيا به، و هو من أهداف منتجي ذلك المحتوى على أي حال. |
| | | |
− | لكننا سريعا ما نلاحظ أن اختيارات تلك المؤسسات من تنويعات الرخصة التي اختارتها، و هي رخصة المشاع الإبداعي، ليست بالضرورة هي المثلى لو أخذنا في الاعتبار أهداف تلك المؤسسات من المحتوى الذي تنتجه و طبيعة إنتاجه.
| + | مسألة السّماح بالاستغلال التجاري للمنتجات الفكرية قد تكون مربكةً ابتداءً لصانعي القرار و غير بديهية، و يكون السؤال هو ”لماذا“ في حين أنّه يجب أن يكون ”لِمَ لا“، فبتحليل أهداف تلك المجموعات و المؤسسات نجد أنّ: |
| + | * الهدف الأساسي لها جميعا إحداث تغيير في الراي العام و السياسات العامة بنشر ذلك الناتج المعرفي على أوسع نطاق ممكن |
| + | * معظم ذلك الإنتاج مموّل بمنحات أو هو عموما لا يُقصد من وراءه تحقيق أيّ عوائد مادية إذ العائد منه اجتماعي صرف، و هو في الأغلب يوزّع بلا مقابل على أمل تحقيق الهدف الأساسي لمنتجيه و لا يُباع، لذا ففعليا لا توجد أي فرصة مُضاعة بالحساب الاقتصادي. |
| + | * بفرض أن طرفا غير مُنتج المحتوى سيأخذ على عاتقه طبع و نشر و توزيع تلك المنتجات المعرفية، و حتى بفرض أن ذلك الفاعل سيتقاضى من الجمهور مقابلا لتغطية تكلفة أعماله أو حتى لتحقيق فائض، فهذا كلّه متوافق مع الهدف الأساسي و لا يتعارض معه. |
| | | |
− | فكلّ المؤسسات التي تصدر محتوى برخصة حرّة تختار تنويعة الرخصة التي تتضمن اشتراط عدم الاستغلال التجاري للمصنّف المُرخّص، أي شرط "غير التجاري" (CC:By-NonCommercial)، و هو الشرط الذي يتسبب في:
| + | بل يمكننا القول إنّ ظهور فئة من المستفيدين من استنساخ و نشر ذلك الإنتاج الفكري، و لو حققوا ربحًا منها، كما هو الحال في سوق المصنّفات الفنية و الكتب المستنسخة مثلا، معناه وجود طلب على ذلك الناتج المعرفي ظهر هؤلاء لتلبيته و هو منتهى أمل منتجيه أصلا، و إن كان بعيد التصوّر. |
| | | |
− | * استبعاد المحتوى من التوافق مع متن مُتنامٍ من المحتوى الحرّ، حتّى في حال السماح بالاشتقاق كان يُمكن أن يشكل إلى جانب المحتوى الذي تنتجه تلك الجهات مدخلات لصيرورات إنتاج فكري أكثر تقدُّما و تعقيدا، بالبناء عليها.
| + | الأقرب إلى التصوّر أن منتجي الناتج المعرفي البحثي و الحقوقي و التوعوي و الإرشادي في واقع الأمر لا يمانعون في أن تُتداول تلك المصنّفات إذا كان ذلك سيسهم في نشر مضمونها الفكري و تعريف الجمهور به، و الواقع كذلك أن سوق المصنّفات على الأرصفة و هو الذي لا يعبأ أصلا بمسألة حقوق الطبع كلّها طالما وُجدت فرصة ضئيلة للربح لم يلتفت إلى تلك النوعية من الأفلام و الكتب بسبب تركيزه على التجاري الرائج منها. |
− | * يجعل المحتوى غير متوافق مع مستودعات ضخمة متنامية من المحتوى التشاركي الحرّ تديرها و ترعاها مجموعات ممتدة من منتجي المعرفة، من أمثلة تلك المستودعات ويكيبيديا و مشروعات ويكيميديا الأخرى و مستودعات أخرى للمحتوى الحرّ، تشكّل مراكم للإنتاج الفكري الحرّ الجيّد، و هي فرصة مثلى لأرشفة تلك الأعمال بما يفوق قدرة منتجيها و كذلك لنشرها و تعريف جمهور أوسع مكانيا و زمانيا بها، و هو من أهداف منتجي ذلك المحتوى على أي حال.
| |
| | | |
− | ذلك النمط المُقيّد للاستغلال التجاري لا يقتصر على الجماعات و المؤسسات الحقوقية حتى مجموعة مثل منتجي [[حكاوي التحرير]] لفلمهم الأول الذي يحوي مختارات من أرشيف أكبر حجما من الحكايات التي يؤديها أيطالها الحقيقيون، نجدهم قد اختاروا للفلم رخصة المشاع الإبداعي محتفظين لأنفسهم بحق الاستغلال التجاري (CC-By-NC). لكن هل هذا ما يرغب فيه حقّا منتجو الفلم؟ أم أن هاجس الاستغلال التجاري يظل لسبب ما عالقا باختيارات المجموعات النشطة و الحقوقية بالرغم من عدم وجود تصوّرات فعلبة لتحقيق ذلك المكسب، بل و تعارضها في أحيان كثيرة مع قصدهم إلى أن تنتشر منتجاتهم و تُتداول على أوسع نطاق ممكن. | + | بل ربّما وُجدت فرصة للمعنيين بإنتاج معرفة مشاعية لأغراض غير الربح لإيجاد وسائل لإدخال الناتج الفكري الذي لا يُقصد به الكسب التجاري إلى تلك الأسواق للاستفادة من شبكات التوزيع العضوية، بإيجاد مغريات لتلك الأسواق الهامشية المتجولّة على الأرصفة لأن تقتنص و تسعى للتربُّح مما تنتجه تلك المؤسسات، و لو كان السبيل إلى ذلك هو وضع بذرات يتحمّل تكلفتها مبدئيا المنتجون أنفسهم ضمن كُلفة عملهم الإجمالية. فيمكن مثلا تصوّر إمكان بناء علاقات مع طبّاعين و موزعين صغار و إتاحة الأصول الطباعية للتقارير و التصميمات و الملصقات لهم بميوز كبيرة (high resolutions)، و كذلك أصول مجموعات أصول الأفلام التسجيلية و التوعوية، فربما وُجدت فرص تسويقية هامشية لها تحقّق مصلحة طرفي العلاقة، أي الانتشار و الكسب، بدل بقائها سلعا معرفية نخبوية لا تهمّ في الأساس سوى المشتغلين بها و القلّة الناشطة في المجتمع. تحيّل مثلا ''سيدي أفلام الحق في المعرفة باثنين جنيه'' على مدخل محطّة المترو، أو ''مجموعة ملصقات الموازنة العامة بعشرين جنيه'' أو ''ديفيدي عروض بُصّي أو حكاوي التحرير بخمسة جنيه'' أو كتيّب ''دراسة معوّقات مشروعات الإسكان الشعبي باثنين جنيه" في ميدان الجيزة! |
| | | |
− | الأقرب إلى تصوّرنا أن منتجي تلك المصنفات في واقع الأمر لا يمانعون في أن تُتداول تلك المصنّفات، و لو بطريق النسخ و البيع بمقابل، في سوق نعلم جميعا ضآلة الأرباح فيه، و هو سوق الأسطوانات و الكتب على الأرصفة، إن كان هذا يساهم في نشر تلك الأعمال و تعريف الجمهور بها، و الواقع كذلك أن سوق المصنّفات على الأرصفة و هو الذي لا يعبأ أصلا بمسألة حقوق الطبع كلّها - طالما وُجدت فرصة ضئيلة للربح - لم يلتفت إلى تلك النوعية من الأفلام و الكتب بسبب تركيزه على التجاري الرائج منها، و الأمر يقع على عاتقنا نحن المعنيون بإنتاج معرفة مشاعية لأغراض غير الربح لإيجاد وسائل لإدخال منتجاتنا الفكرية إلى تلك الأسواق للاستفادة من شبكات التوزيع العضوية، بإيجاد مغريات لتلك الأسواق الهامشية المتجولّة على الأرصفة لأن تقتنص و تسعى للتربُّح مما ننتجه، و لو كان السبيل إلى ذلك هو وضع بذرات نتحمّل تكلفتها نحن كجزء من تكلفة التوزيع المغفلة دوما في مثل هذا النمط من الإنتاج الفكري. منتهزين الفرصة في الوقت ذاته لطرح مسألة الرخص الحرة في تلك السوق، كفئة معنية بها و على دراية مبدئية بها، و لو اسميا (خطر شرطة المصنّفات كان قائما باستمرار قبل الثورة)
| + | تبقى مسألة الرّخص الحرّة و مسألة نشر مصادر الأعمال و كذلك [[عن PDF|نشر النواتج النهائية في صيغ بيانات مفتوحة]] مسالأتان هامتان في مجال الإنتاج المعرفي الحقوقي و البحثي. |
| | | |
− | يجب أن نذكر هنا أننا نحلل ممارسة هي الأكثر تقدمية على الإطلاق فيما يتعلق بالمشاعات الإبداعية و الفكرية و تراخيص حقوق الطبع، و أن هذا التحليل كلّه لا يمكن بأي حال من الأحوال مقاربته فيما يتعلق بشركات الإنتاج الفني، مثلا، على الرغم من وجود بوادر لتجارب أكثر تشاركية في هذا المجال ربما نعرض إليها لاحقا.
| + | |
| + | == طالع كذلك == |
| + | * [[مسح لرخص محتوى المؤسسات الحقوقية]] |
| + | * [[رخصة المشاع الإبداعي]] |
| | | |
| [[تصنيف:مقالات]] | | [[تصنيف:مقالات]] |
| [[تصنيف:رخصة المشاع الإبداعي]] | | [[تصنيف:رخصة المشاع الإبداعي]] |
| [[تصنيف:رخص حرّة]] | | [[تصنيف:رخص حرّة]] |