حوار تمهيدي مع عمرو عزت حول معسكرات الإعلام الحر ديسمبر 2013
الإعلام المؤسسي عمل مساحة من التفاعل مع الإعلام الشعبي واستفاد من التدوين والوسائط الجديدة، وحصلت بعد كده أشكال من التعاون أكثر تعقيدا، فتحول بعض المدونين لصحفيين وكتاب رأي ومعدين لبرامج التوك شو. قبل الثورة صحف زي المصري اليوم والشروق وقناة زي ON TV اعتمدت في وجودها على إنها تبقى مشاغبة، مع بداية الثورة وانتعاش المشاغبة الوجود ده اتكرس، ومع الإخوان، كان الهجوم عليهم جزء من أجندة المؤسسات.
لكن طول الوقت كنا في الهامش وده بان أكتر في وسط الصراعات؛ سواء الـegypt independent طالما مش عربي يبقى هامش، وتجربة نورا يونس في موقع المصري اليوم، والصفحات اللي كنا بنعملها في الشروق، كانت كلها في إطار مساحة الهامش النقدي اللي بتسمح بها المؤسسات زيها زي بعض مقالات الرأي. الموضوع كله بتحكمة نظره تقليدية؛ محدش في السلطة هيحاسبك على خبر في الوب، لكن هيحاسبك حاطت إيه في الأولى. كان في طول الوقت توجس من الناس اللي عندها إنتمائات معينة وكان في نفس الوقت في مساحة تفاوض حتى مع الإسلاميين زي الشروق، المساحة دي طبعا بتختفي خالص في جرنال زي الوطن.
نمط الملكية بيسهل تغيير الدفة، فلو الملاك مزاجهم قريب من الجيش، هيجيبوا قيادات قريبة من الجيش علشان يظبتولهم الموضوع زي ما حصل مع ياسر رزق. ومفيش أداء نقابي ولا مجلس إدارة ولا مجلس أمناء ولا سياسة تحريرية هتقف قصادهم.
رغم كده استفدنا، فطول الوقت مكانش السقف محدد بصرامة والسياسة التحريرية افتراضية ومحدش عارف رأس المال بيحب إيه ومبيحبش إيه، وكمان التغيرات سريعة وحادة وده بيخلي السقف يتغير باستمرار؛ الناس كانت بتروح تشتغل على أساس إنها تخبط في الإدارة،المعد بيقول اللي هو عاوزه وبيعتمد على إن نجم البرنامج عارف الحدود، في الصحف غالبا بيبقى في عضو مهم في مجلس الإدارة هو اللي بيحدد إيه المضر وإيه لأ، ومفيش رئيس تحرير بيتحكم في كل المحتوى والمداخلات، فحاجات كتير بتعبر عن انحيازاتنا عدت من الفلتر المتغير وحسب الظروف.
الأسوأ إن المشكلة مبتقتصرش على رأس المال والبروباجاندا اللي بيروجلها، الجمهور فاعل مش مجرد متلقي سلبي، بيدعم نوع معين من الإعلام. المفارقة إن كل ما الجرنال أو القناة سقفها ارتفع كل ما جمهورها أقل. وزي ما التدوين طلع رؤى نقدية وتقدمية طلع ناس شعبوية وفاشية. الجمهور اللي عنده نزعة محافظة وفاشية هو اللي خلى ناس زي غادة الشريف نجوم. الناس مش كتل ستاتيكية الشغل الإعلامي اللي بيعمله عكاشة بيتوافق مع ذوق ناس كتير. في ناس بتتوجس من فكرة إن فئات وطبقات، مش منها، هي اللي بتتكلم طول الوقت في وسائل الإعلام. وفي ناس الديمقراطية مش على أجندتها واحنا بالنسبة لهم ممثلين الماسونية العالمية. في فئات مصالحها ومزاجها إنها تشوف العالم من خلال رؤية معينة ومش عاوزين يسمعوا الأخبار بشكل معقد. عاوزين حد يقولهم إن الإخوان هم الأشرار وخلاص.
مكانش ممكن تجاهل ماتش 25 يناير مع الدولة؛ المزاج العام كان منبهر بالناس اللي قررت تعتصم حتى سقوط النظام، شافوا إن طريقتهم فعالة والجيش بيستجيب لهم وبيحييهم، المليونيات اللي بيحشدولها تمثل لحظة إثارة وانتصار وتشجع على الإنضمام . لكن مع تغير المشهد وتعقيده وطغيان نوعين من الخطاب واحد بيشيطن الإخوان والتاني مركز على خيانة الشرعية ومواجهة الانقلاب، في نفس الوقت اللي بقت فيه مواقفنا هامشية وعجزنا عن تقديم رؤية للخروج من المأزق كان طبيعي إن مزاج الناس يتغير ويبقى عنده طلب على الإعلام الحدي.
الإعلام في النهاية هو انتقاء. لو حطيت كاميرات كتير في الشارع كل كاميرا هتنقل الحقيقة من وجهة نظر معينة. لو هتنقل مؤتمر صحفي هيبقى في فرق ما بين إنك تنقله كله ولا تنقل مقطع مبتسر. وهتختار حسب اختيارك للأهم واللي بيدفع الناس لتأييد وجهة نظرك. وفي لحظات الصراع العنيف والثورات، الانحيازات بتتضخم وبتبقى هي أساس التقييم. قد إيه إنحيازك ومزاجك والكيفية اللي ترى بها العالم قادرة على تكوين رؤية جذابة تصلح للمعركة؟
في دول فيها تشابكات ومجتمعات معقدة، لا يمكن الاستغناء عن مهنة الإعلام. الإعلام الشعبي مينفعش يبقى بديل غير في دوائر محلية؛ مدون محلي ينقل ويحلل ويقول رأي ذكي عن حدث بعينه.
الإعلام الشعبي بيمثل تحدي؛ يطرح قضايا الإعلام المؤسسي يتجاهلها، أو يتناولها من زاوية مختلفة. الإعلام المؤسسي متعود على التعميم،و يهتم بالمواضيع، اللي من وجهة نظره، فضائحية وغريبة وشاذة، بيحطها في الأولى أو الأخيرة أو الحوادث، اما المواضيع الرصينة فمكانها صفحات الاخبار والرأي.
حاولنا ننتقل بتجربة التدوين لشكل من أشكال الجماعية: التدوين الجماعي، ومجمعات المدونات، محتاجين نبص على التجربة دي بنظرة نقدية، وكمان محتاجين ندرس تجارب الإسلاميين زي شبكات "رصد" و"يقين" اللي دلوقت بتمثل مساهمة مهمة، رصد لها شعبية قوية وبتعتبر المصدر الرئيسي للأخبار بين الإسلاميين على عكس جرنال زي "الحرية والعدالة" ملوش شعبية وسطهم، شبكة يقين بتتميز بحيوية وبقت مصدر أساسي للفيديوهات وبتغطي كل الفاعليات حتى فاعلياتنا. يمكن سبب تطور هذه التجارب، إن الإسلاميين استثمروا فيها جامد، لإن الإعلام المؤسسي كان مغلق تماما في وجههم.