تغييرات

اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أنشأ الصفحة ب'لا تفرض الأنظمة والفئات المسيطرة هيمنتها على المجتمع، من خلال سيطرتها على أجهزة الدوله (البي...'
لا تفرض الأنظمة والفئات المسيطرة هيمنتها على المجتمع، من خلال سيطرتها على أجهزة الدوله (البيروقراطية الحكومية) أو أدوات القمع (الجيش والشرطة) أو من خلال قيادتها للعملية الاقتصادية فقط، ولكنها تحتاج أيضا لأدوات أيدولوجية للهيمنة كالإعلام، يمكنها من انتاج رأي عام متوافق مع توجهاتها.


فإذا اعتبرنا أن "الإعلام الحر" هو كل محاولة لمقاومة هذه الهيمنة، من خلال تمكين الناس العاديين من التعبير عن أنفسهم بحرية وباستقلال عن توجهات الأنظمة والفئات المسيطرة؛ لو اعتبرنا انه يشمل كل وسيلة تعبير حر، يستخدمها فرد أو مجموعة من الأفراد، لطرح رسالة ما، تخصه أو تخصهم، على الرأي العام؛ لوجدنا أن محاولات ومبادرات الإعلام الحر لم تتوقف ولا للحظة واحدة من لحظات التاريخ؛ ففي اللحظة التي كان ينقش فيها الفراعين التاريخ من وجهة نظرهم على أعمدة المعابد والمسلات، إستطاع الفلاح الفصيح أن يطرح رؤيته الخاصة من خلال رسائله.


ولكن إذا ركزنا على العشر سنوات الماضية في مصر، لوجدنا أن موجات صعود وهبوط هذا النوع من الإعلام ارتبطت بخطوات الحركة المعارضة الأشمل. فلقد نشأ هذا النوع من الإعلام على أساس وفي كنف أزمات عصر مبارك والتشققات التي طالت سلطته وهيمنته الكاملة. وأخد مسارات متعددة، كان واحدا منها عضويا بامتياز بمعنى كسر احتكار الصوت، وهو تليفزيون الحارة، الذي ظهر في المجتمعات المغلقة والعشوائية. كما بدأ مسارا آخر في ظل توازنات النظام القديم، داخل مؤسسات أنشأها رجال أعمال كبار مثل قناة دريم الفضائية وجريدة المصري اليوم ثم قناة أون تي في وجريدة الشروق. فلم تفرض الحركة المعارضة بصخبها على وسائل الإعلام هذه، تغطية فاعلياتها فقط، بل تمكنت أيضا من نقل خطابها عبرها، عن طريق رموزها الذين تحولوا بالتدريج لمصادر وضيوف دائمين لهذه المنصات الإعلامية.


وباشتداد الحركة، وظهور مسار أكثر جذرية للإعلام الحر، هو المدونات وتوابعها، اعتمدت المؤسسات الصحفية، نتيجة لسوء أوضاعها وعدم كفاءة العاملين فيها، على المدونين، كمراسلين مجانيين، وهو الوضع الذي تقنن مع الوقت، ليتحول هؤلاء المدونين والنشطاء، لصحفيين عاملين داخل هذه المؤسسات، بل وكتاب رأي وقيادات وسيطة بها، قبيل الثورة، التي كرست للمصداقية التي كان قد اكتسبها المدونين و"نشطاء الانترنت" لدى قطاع معتبر من المجتمع، في مقابل الخدمة التي يقدمها الإعلام النظامي الذان كانا قد وصلا لدرجة من الصلف والبؤس تصعب تقبلهما.


كما دفعت الثورة في لحظات انتصارها، كثير من أعدائها، لمحاولة ربط أنفسهم بها بأي طريقة، للمحافظة على مصالحهم المضادة لها، وهكذا ملأ شباب الثورة الطاهر الشاشات، ولم يشذ عن هذا الركب غير المؤسسات النظامية الغارقة في العفن.


بنظرة جدلية عميقة، سنجد أن "الصوت الحر"، إن جاز التعبير، نجح خلال هذه الفترة في التأثير على أجندة وسائل الإعلام الحكومية والخاصة وتمكن من نقل خطابه عبرها، وإن كان بالطبع أعاد صياغة هذا الخطاب بما يتناسب مع هذه المنابر، كما أن "المتحكمين في الأمور"، استغلوا الشعبية التي كان يحظى بها أصحاب "الاصوات الحرة"، لتسريب، أو على الاقل، تحييد بعض المفاهيم المعادية.


ولكن الأكيد، أن محاولات الإصلاح من الداخل تلك، لم تتمكن من تغيير علاقات القوى، وكان لها تاريخ صلاحية، انتهى يوم 30 يونيو.

لا يجب أن ننظر لهذه الفترة، بنظرة طفولة يسارية محدودة، لا ترى فيها غير السلبيات، فبنظرة جدلية أعمق، سنرى أنها كانت منفذا وفرصة للتحريض الثوري من على منبر الأعداء. ولكن لا يجب أيضا أن نتوهم بتصورات طفولية أن تواجدنا على هذه المنابر غير علاقات القوة.


على مسار الثورة، فقد التيار الثوري، نتيجة لرجرجته وتفككه، تأثيره الجماهيري واستقلاليته السياسية والأيديولوجية. بالطبع كان تاريخ 30 يونيو محطة مفصليه، ولكن من وجهة نظري، أن هذا حدث قبل ذلك بكثير، وتحديدا من لحظة وصول الإخوان للحكم، وظهور جبهة الإنقاذ كرد فعل. الحركة الثورية خصت نفسها، بتبني رد الفعل هذا، فكريا وسياسيا، وبتبنيها خطاب الفلول المعادي للإخوان. وأصبحت كل التحالفات مقبولة طالما ضد الإخوان. لم تضع هذه الاختيارات الثوار في موقع التابع فقط ولكنها زادت ايضا من عزلتها عن الجماهير وهو ما أوصلنا للحالة الشوفينية التي نحياها.


لم تكن المشكلة التضييق، بل كانت الاختيارات السياسية، التي لم تدع للإعلام المعارض شيء ليقوله مختلف عن الآخرين في هذه اللحظة؛ فاهتزت 3/4 المهنية والقيم تحت وطأة الأحداث. الزعزعة كاتن جامدة؛ كان كل واحد بيسأل نفسه قبل ما يتكلم: "انا هخسر مين من صحابي؟" نتيجة لما أقول.

وبدل ما كان الإعلام المؤسسي، يستخدم ذريعة المهنية، لإنتاج مواد ضد النظام، أصبح رموز الإعلام المعارض يقبلون استضافة مرتضى منصور، ويقبل الثوار الظهور معهم، بذريعة المهنية. كان من الطبيعي عندما تجد مؤسسات الثورة المضادة نفسها في هذا الوضع، ان تعاود الهجوم بل والتوحش. وكما لفظ تحالف 30 يونيو البرادعي، أصبح من السهل على إعلام الثورة المضادة لفظ أمثال احمد دومة، غير لو سار في طريق الثورة المضادة لمنتهاة.


ونتيجة للوضع الدفاعي الذي وضعنا نفسنا فيه، فقدنا قدرتنا على صياغة سرد مستقل، وبقينا بنكسر في مواقف بعض ونعصر ونصغر مساحة الهجوم خوفا من النقد.. المنفذ الوحيد اللي كان قدام الواحد للتعبير عن موقفه - دون رقابة ذاتية - هو صفحتة على الفيسبوك، فقط لو كان يملك الجرءة.


بسبب طبيعة الثورة ارتبطت نقاط تجسيد الخطاب أو الإعلام المضاد بقوى وحركات غاية في الرجرجة وعدم التماسك، ولم تستند على حركات شعبية. شباب الثورة كان بديلا لدينا عن إعلام جيش الحرير وإعلام نقابة بولاندا..

الحل الوحيد هو محاولة الزق من هنا والآن؛ من حيث توجد الأمور. نبحث عن بذورالإعلام المضاد ونحاول مساعدتهم في استكمال مهمتهم وفي تحسين ما يقدمونه عن طريق تمكينهم من أدواتهم وتطوير مهاراتهم.. ونبذل مجهود في إيجاد مجموعات اكثر ثباتا، أكثر قدرة على قلب الموازين، مجموعات لها طابع تعاوني أو طلابي أو شعبي (تليفزيون الحارة) أو لجان عمالية أو شعبية.. ولكن على المدى الطويل، ليكن الهدف هو تسليح الأفكار، بناء مدرسة فكرية يبنى أثرها جيل ورى جيل وفي مكان ورى مكان.



[[تصنيف:رؤية وقيم معسكرات الإعلام الحر]]
staff
3٬870

تعديل

قائمة التصفح