رسالة إلى أضِف
رسالة استقالة رنوة يحيى، مؤسسة أضف والمديرة التنفيذية السابقة
رنوة يحيى، مؤسسة أضِف مع زوجها الراحل علي شعث و المديرة التنفيذية للمؤسسة منذ تأسيسها سنة 2009 استقالت من دورها كمديرة تنفيذية لتواصل عملها في المؤسسة بالتركيز على شغفها و دافعها الأساسي و هو مشروع المعسكرات.
في رسالة استقالتها تناولت رنوة رؤيتها لأضف كمؤسسة قادرة على الاستمرار و الاستدامة وكمنصة تتشكل وفقا لفريقها، و حكت عن الأزمات التي مرّت بها المؤسسة و النهج الذي اتّبعته المؤسسة بكل أفرادها للتغلب على تلك الصعاب.
بدءا من أوّل أكتوبر 2015 حظيت أضِف بمديرة تنفيذية جديدة هي داليا عبدالله التي كانت تشغل قبل ذلك دور المدير المالي و الإداري.
تمر أضف حاليا بمرحلة من إعادة التنظيم و وضع رؤية استراتيجية لعملها المستقبلي لتواصل العمل بتأثير أكبر في مجالات اهتمامها، و هي نشر دعوة الثقافة الحرّة و الوصول إلى المعرفة، و تمكين الفتية و الشباب في مجالات التعبير و التعلّم، و دعم المؤسسات و المجموعات في الأخذ بتقنيات البرمجيات الحرّة.
ننشر ادناه الرسالة التي كتبتها رنوة لأعضاء أضف والشركاء المقربين والتي قررنا كفريق عمل مشاركتها مع شبكة أضف الأوسع في مصر والبلدان العربية والعالم.
أحبائي،
في السنة الاخيرة قبل رحيل علي، كنا ندخل في نقاشات عن مشاريع في أضف بعضها يؤدي الى ان اقول له "ووقتها اقدر اترك أضف واعود للكتابة،" او هو يقول لي في بعضها الآخر "واترك أضف والعب مزيكا/أعمل فيلم/نروح نيوزيلاندا.”
لا شك فيه اننا كنا نتجه الى ان تتأسس أضف بحيث لا تكون معتمدة على اشخاص انما مؤسسة تستطيع ان تستكمل هدفها بوجود فريق كفؤ ومؤمن برسالتها وشغوف بالتأثير الذي صنعته وتصنعه.
بعد رحيل علي واضطرارنا لمواجهة ازمتين فادحتين هددوا أضف لولا مثابرة اعضاءها ودعم شركائها، نستطيع ان نقول بكل ثقة ان أضف اثبتت وجودها كمؤسسة قادرة ان تستكمل عملها بنفس مستوى الاداء الذي وجدت من اجله وبتأثير يكبر يوما بعد يوم بحكم تراكم ونضج التجربة والمثابرة على العمل بإبداع.
في ديسمبر القادم سنلتقي مجدداً في حب علي فيما اتمنى ان يصبح تقليدا سنويا وتكون قد مرّت سنتان على رحيله الذي هزّنا جميعا. لقد اخذني كل هذا الوقت لكي اعتبر انني اخيرا اقف مجددا على رجلّي، مستعينة خلال كل الفترة التي سبقتها بحب ودعم لا يحلم به انسان. انا محظوظة جدا. فكرت كثيرا كيف اننا بحكم الحب الكبير الذي عشناه انا وعلي واولادنا وعائلتنا، والذي نستمر به، كيف يعود كل يوم هذا الحب لي ولأولادي بأشكال مختلفة ملهمة جدا في كثير من الاحيان.
قناعتي ان هذا الحب – حب ممارسة الحياة – هو أساس قوة وتميّز أضف، بالثبات عليه ستكمل أضف تأثيرها الذي يزداد يوما بعد يوم وبالتنازل عنه او المساومة عليه ستضعف وتضمحل.
عند رحيل علي قال الكثيرون ان أضف ستنهار. فقط من شاركوا معنا في تأسيس مشروع المعسكرات يعلم ان علي كان من المشاركين في بناء المشروع وانني منذ قراري ان أبني مشروع المعسكرات في نوفمبر ٢٠٠٥ كنت المتفرغة الوحيدة ضمن مجموعة كبيرة من المساهمين حتى يناير ٢٠٠٨ عندما أنضمت شيماء يحيى الى المشروع. تفرغ علي لأضف في أواخر ٢٠١١ وتشاركنا في ادارتها، انا اقوم بمشاكسة وتحدي اقتراحات بنائها بطرق تقليدية وهو يقوم بإدارة افرادها والاشراف على المدير المالي. انا استكمل بناء فريق العمل والشبكة الاوسع وهو يحاور ويقوم بتسيير المجموعات الكثيرة التي لجأت لنا بعد الثورة.
مشروع المعسكرات هو طفلي الاول، وهو ما الهمني وشجعني على خوض مغامرة الامومة في مصر لإطمئناني انني مثلما سأحاول ان افعل افضل ما استطيع لأولادي أفعل ذلك أيضا مع اولاد آخرين.
فكرت كثيرا كيف ان اكبر احساس بالفقد في خسارة علي هي فقداننا جميعا للأب الحنون الملهم والمليء بالحياة، حيث الضحك ممارسة يومية والذكاء النافذ وقلب لم يعرف الا الحب مثلما كتب حسام غربية على المنحوتة التي ابدعها والتي كلما ننظر اليها او نلمسها انا او نديم او رامي تغمرنا بالخفة وتنتصر الابتسامة على الحزن.
عند عودتنا من المعسكرات الشهر الماضي، اتجه رامي الى المنحوتة، وقف على مخدتين ومدّ يده الى المنحوتة بعد ان قبلها وقال "احنا رجعنا يا بابا". في هذه اللحظة عرفت انني جاهزة لإعلان استقالتي كمديرة أضف والتي امضيت الاشهر السابقة افكر وابحث واستشير بإتجاه إتخاذ هذا القرار.
لا أنكر الاحساس الكبير بالتحرر والتمكّن بعد إعلاني الخبر لكم منذ اسبوعين. أعود الى مشروعي الأساسي الذي اكتسب الكثير من النضج، معسكرات الفتية، ومعسكرات الشباب الذي سيشكل إضافة جديدة للتأثير والذي اراه كإستكمال لجهد كبير جدا لفريق ملهم جدا تم بناؤه لتنفيذ مشروع متر.
قراري افسح المجال مجددا لي للحلم وللمشاركة مع رفاق حلم في بناء اوسع واعمق. مساحة جديدة لتحدّي ونقد وتطوير أفكار لممارستها وتجريبها وتحليلها ثم البناء مجددا، سنة بعد سنة. هذه العملية الملهمة التي اعيش دورتها كل سنة منذ ٢٠٠٧ هي المحرّك الاساسي لممارسة الحياة. قرار استكمال العمل فيها تحديدا هي رسالتي بالإصرار على ممارسة الحياة بالشغف والحب والحماس والالهام والتعلم الذي اريده لي ولأولادي وكل من يشارك به من شباب وفتية.
في دوري القديم الجديد، اتطلع بالإضافة الى تطوير المشروع الى المشاركة في استكمال كل العناصر المطلوبة لتأسيس أضف، من بناء مجلس أمناء مفعّل يقوم بدوره الى بناء فريق على استراتيجية تتكامل مع ما نؤمن به من قيم والى الاصرار على التجريب عندما تطرح افكار من أعضاء أضف او شبكتها وذلك لأن انحيازي كان وما زال لمن شاركوا التجربة واكتسبوا نفس الملكية التي اشعر بها لهذه الافكار والممارسات التي خضناها ونخوضها.
أترك هذا المنصب بعد اطمئناني على مستقبل أضف والذي لم يكن لتكون لدي المقدرة على أخذه لولا بروز دور داليا عبدالله في السنتين الماضيتين كدعامة محورية في خروج أضف الى برّ الامان
المباشر على الاقل - حيث من العبث التكلم عن الاحساس بالأمان في وضعنا السياسي الراهن – وثقتي بها كبيرة على الاخذ بالدفة - ونحن جميعا حولها - لتكبر أضف ويزيد تأثيرها ونزيد نحن فخراً كوننا أعضاء بها.
محبتي،
رنوة
القاهرة، الاول من أكتوبر ٢٠١٥