عام من الأرشفة

من ويكي أضِف
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

إتاحة التقنيات المساعدة على الحفظ الأرشيفي و التوثيق للأفراد و المجموعات المستقلة هي من القيم الجوهرية لمؤسسة التعبير الرقمي العربي "أضف"، انطلاقا من اقتناع راسخ بأن وسائل التقنية الحديثة تجعل من كل إنسان جامعا و خالقا لأرشيف يحكي رؤية فريدة لعالمه، و أن التشارك والتمازج بين تلك الأرشيفات في مجمله هو الأرشيف الأهم و الأجدر بالحفاظ عليه.

تجدّدت الرغبة لدى المساهمين في "أضف" في المساهمة في جهود الأرشفة و التوثيق مع ثورة 25 يناير 2011؛ فالحدث جماهيري بالدرجة الأولى و المادة التي أنتجها و جمعها الجمهور عنه غير مسبوقة في غناها وكثافتها وتنوّعها، لكل منها أوجه مختلفة تعبر عن الجانب الذي ننظر منه للحدث الواحد. فالقصة أو المشهد الواحد في تلك الثورة له جوانب لا يمكن حصرها منها ما هو الخاص بالثائر الذي أيد هذا التحول والتغيير الذي لم يكن يتخيل تأثيره ودوره في نشر الفكرة وتفاعل الجمهور معه وإحساسه ونقاشاته وتحضيراته ومواقفه التي مر بها منذ يوم 25 حتى 11 فبراير، وفي نفس الوقت لدى كُلّا من السياسي والشُرطي وفرد الأمن لإحدى المؤسسات والممرضة والدكتور وأعداد هائلة من البشر على اختلاف انتماءاتهم وتخصصاتهم شاركوا في ذلك الحدث كُلّا منهم له قصته التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتشابه مع الأخرى.

لذلك رأى فريق "أضف"، المعنيون دوما بالأرشيفات الحيّة المبنية شعبيا و تشاركيا أن يبذلوا ما في وسعهم لدعم جهود الحفاظ على تالك الذاكرة، فكان التفكير في طريقة يسيره تجمع كل التفاصيل المتعلقة بحدث واحد متعلق بحدث أكبر ويتم تسجيل الجوانب والرؤى المختلفة لهذا الحدث الصغير بحيث يستطع المُستَخدِم أو الباحث عن معلومة ما الوصول لها وفي نفس الوقت يكون موصولا بطريقة ما بباقي المعلومات المتعلقة بنفس الحدث. لم تجد "أضف" أفضل من فكرة "الأرشيف الحُرّ" والذي يعتمد على المواطنين أو الفاعلين الأساسيين في حدث ما حيث يكون لهم الحق في سرد حكاياتهم وتجاربهم المتعلقة بالحدث ويكون لديهم القدرة على إمداد ذلك الأرشيف بالمعلومات على اختلاف وسائطها المتعددة ما بين المسموع والمرئي والنصي وتعزيز كل ذلك بتواريخ وتفاصيل جانبية تثري بعضها البعض. فهذه الأرشفة الجماعية تحد من التحيز تجاه رأي أو وجهة نظر محددة دون الأخرى، وتعرض أكثر من تفسير للحدث الواحد مما يدفع ذلك إلى التفكير في المعلومات المعروضة ومدى اتساقها مع بعضها البعض والاقتناع بها أو رفضها كُليا أو جزئيا.

واجهة أرشيف أضف(اضغط للحصول على نسخة أكبر)

هذا النوع من الأرشفة يُعزز من قيمة عقل الإنسان كأداة قادرة على التمييز والفصل ما بين ما هو حقيقي ومتناغم وبين ما هو مُزور ومُحرف، حيث يجب الحفاظ على طبيعة المعلومات من التحريف حتى تصل للإنسان مجرده يقرأها ويضيف عليها ويحللها ويستنتج منها معلومات أخرى لم تكن واضحة لغيره ويستطع أن يُكَوِن منها معرفته الخاصة وتقديره للحدث بناء على المعطيات التي كانت ظاهرة أمامه، وفي نفس الوقت لابد من توفير نفس تلك المعلومات المجردة لإنسان أخر يحللها ويضيف عليها بما لديه من معلومات ليستنتج وجهة نظر أخرى مغايرة تماماً لما هو معروض سابقا من معرفة؛ فذلك هو حق الإنسانية في معرفة حُرّة من أجل تقديس عملية التفكير الحُرّ لإنتاج معارف متعددة مبنية على أسس مختلفة كُلّا منها له وجهة النظر التي تعضده وتحمي الأسس التي قامت عليه، ومن ثم يأتي عقل الإنسان ليكون هو الفاصل والمحدد إن كان سيعترف بتلك المعلومات ووجهة النظر تلك ويقتنع بها أم يترك كل ما سبق ليعود إلى المعلومات المجردة التي تحتفظ بها الإنسانية ليكون لنفسه معارف أخرى تستند على مبادئ ووجهات نظر تُحييد ما سبق. لذلك نادت "أضف" ولزالت بضرورة الحفاظ على المعرفة الإنسانية ودعم وجودها بالحُرية.

ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه؛ لآن حلم توثيق ثورة يناير اصطدم بالبيروقراطية و سيادة العقلية الأمنية على مؤسسات الأرشيف الوطنية وعدم اقتناع مسؤولي دار الوثائق المصرية بضرورة منح وتقديم أرشيف الثورة حُرّ ومفتوح للجمهور بحيث يكون متاحاً للمواطن، لا للباحثين وفقط لأن عادة ما تكون الأراشيف الخاصة بالأحداث السياسية ممنوع الإطلاع عليها لدواعي أمنية. ومن هنا اجتهدت "أضف" من خلال خبرتها التقنية في التكنولوجيا مفتوحة المصدر البحث عن نظام أرشفة يعتمد على فكرة المعرفة الحُرّة ومن خلال البحث تم التوصل لفريق عمل نظام بندورة أو pan.do/ra، وجدت فيه "أضف" الخصائص المطلوبة وقابليته للتطوير في المستقبل.

وفي نفس الوقت كان فريق عمل مشروع المريخ يبحث عن طريقة للاحتفاظ بالمعلومات والملفات المتحركة المرئية -الفيديو- وخاصة الدقائق والساعات التي لا تُستخدم؛ تقول "مريم القويسني" أحد أفراد فريق العمل (كان هناك تضارب وعدم قدرة على تحديد المكان المناسب لوضع هذه الملفات هل موقع "اليوتيوب" أم موقع "فيميو" وخصوصا أن معظم تلك المعلومات تحتاج إلى المونتاج لتظهر بالصورة المقبولة كما أن الاحتفاظ بتلك المعلومات على تلك المواقع الإلكترونية ليس حلا أو طريقة لبناء أرشيف حُرّ متكامل. بعد التعرف على "أضف" وبرامجها الخاصة بالدعم قررنا كفريق للعمل التقديم لطلب المشورة للتوصل لحل، كما أننا نؤمن بأهمية عرض الفيديوهات التي يعبر فيها المصريون عما بداخلهم بدون قيود، وبالتالي عندما يشاهد الناس الآخرون وهم يتحدثون ويحكون تجاربهم بكل تلقائية سيسعدون بها ويقتنعوا بوجود اختلافات بين البشر ويساعدهم ذلك على التعايش مع الآخر المُختلف. كما أن اعتماد "أضف" على التكنولوجيا مفتوحة المصدر وقيامها بتعريفنا على هذا العالم الجديد بالنسبة لنا فتح مجالا أرحب وأوسع في عالم المشاركة والتعاون. كما أن فكرة أرشيف بندوره واعتماده على الأرشفة الحُرّة أفضل تطبيق لفكرة المعرفة الحُرّة وذلك لإمكانية الاحتفاظ بالمعلومات دون تعديلها أو إجراء مونتاج لها وإتاحة استخدمها من جانب آخرين، كذلك سهولة البحث لأن كل فيديو له وصف وله وسوم "tags" يستطع المستخدم استخدامها في البحث للوصول للمعلومة بكل يسر، وكانت مهمة "أضف" هي نقل المعرفة منهم لنا ولفريق من المتطوعين لفهم أرشيف بندوره ومزاياه).

وبعد عام من العمل على استخدام نظام بندورة أو pan.do/ra، كنظام لأرشفة الملفات المُصورة المرئية الُمتحركة - "الفيديو"- نجحت "أضِف" في بناء أرشيفها الخاص، والذي يحتوى حتى الآن على 74 ساعة ضمن 1338 ملف مُصوّر. وتقريبا منذ البدء باستكشاف جوانب هذا النظام الأرشيفي الحُرّ تعرف شُركاء "أضف" والمبادرات التي تتعاون معها على أهمية الأرشفة للتاريخ ولحفظ البيانات واسترجاعها في الوقت المطلوب وخصوصاً فكرة الأرشفة الحُرة المعتمدة على تعدد الفاعلين؛ لأن ذلك سيوفر كمية معلومات هائلة وغنية تجاه الحدث الواحد.

ومن خلال التواصل المستمر بين فريق "أضف" وفريق تطوير بندورة 0x2620.org التقني تم تطوير فاعلية نظام الأرشفة؛ وتقدم فريق "أضف" التقني من مستوى تقديم الخدمات الخاصة بهذا النظام إلى مستوى أعمق من المعرفة ببرمجة هذا الأرشيف وكيفية التعامل مع المعلومات وقواعد البيانات بشكل متكامل بحيث يتم معالجة الأخطاء أو المشاكل التي تظهر أثناء الاستخدام.

أضحى الآن بالإمكان بناء نظام أرشيفي للفيديو يستطيع استيعاب أكثر من 70 ساعة يومياً، مما يتيح استخدامه من جانب المبادرات والمؤسسات التي لديها كم من المعلومات والملفات المُصورة في أرشيفها الإعلامي حيث كانت المُعضلة الأساسية متمثله في إمكانية تحويل هذا الكم من المعلومات إلى الأرشيف في وقت معقول لتُحمّل على الخادم "Server". كما يُمَكِن هذا النظام الأرشيفي المُستخدم التعامل مع المشاهد والدقائق المرتبطة ببعضها البعض لتظهر في قائمة واحدة حتي ولو كان إدخالها على الأرشيف قد تم على فترات منفصلة متقطعة؛ ويستطع المستخدم مشاهدتها حسب الترتيب الزمني للحدث الواحد داخل الفيديو، وهذا لم يكن متاحاً من قبل. كما يستطع المُستَخدِم قص وتقطيع المشاهد التي يختارها من فيديو واحد طويل ويُعيد ترتيب تلك المقاطع المقصوصة -وهو يعمل أون لاين- طبقا لمقصده ويستطع إنزال تلك المشاهد ويعمل على إنتاج فيديو جديد من تلك المقاطع.

وأصبح لدى الفريق التقني لـ"أضف" القدرة على التقدم لخطوات أخرى مهمة مثل "التعريب" وهى تحويل اللغة المستخدمة في نظام الأرشفة -بندوره- من اللغة الإنجليزية إلى العربية وكذلك "التوطين" وهي تعني ملائمة خصائص النظام الأرشيفي لبيئة العمل العربي، وهو أمر سبق وبدأه الفريق مع مجموعة أخرى من البرمجيات الحُرّة التي يعكف الفريق على تعريبها وتوطينها، حيث تَدرّبَ الفريق على أكثر من لغة برمجة للتفاعل مع نظام الأرشيف، ومعرفة كيفية تكوين إحصائيات بشكل مختلف ناتج عن تطوير نظام أرشيف الفيديوهات الخاصة بـ"أضف" والبناء عليها استنادا للمعلومات الموجودة في النظام والسماح بتطوير واختراع برامج مبتكرة تتناسب معه لتكون مُكَمْلّه لوظيفته الأساسية المتمثلة في حفظ المعلومات وتيسير الوصول لها في حال البحث عنها، وبالتالي البناء على ما سبق تأسيسه للوصول إلى استخدامات أوسع من ما يتم الحصول عليه حالياً.

الأرشيف المُحتويِ على ساعات لملفات مُصورة "فيديو" ليس الهدف منه الاحتفاظ بجهود "أضف" وحسب، بل هو مُقدم لجميع المبادرات والمجموعات التي تتعامل معها "أضف" من أجل الاحتفاظ بالمعرفة وتقديمها لمن يرغب في الإطلاع عليها وتقدم الخدمة لمن يرغب في استخدامها في عمله، فالمعرفة لا تتوقف عند هيئة أو شخصية بعينها. فإن توقفت؛ لن تتطور وستصبح أسيرة لمن يستخدمها. لذا تعرض كل ما تقوم به "أضف" وتُطوره على شُركاؤها وشبكة معارفها ليتعرفوا على آخر المستجدات التكنولوجية التي تستخدمها لتعم الفائدة على من يرغب في استخدام نفس الأدوات التكنولوجية وتطويرها بما يتناسب مع طبيعة المشروع أو الُمستَخدِم لتلك التكنولوجيا.

واجهة أرشيف مشروع المريخ

أرشيف مشروع المريخ، أحد تلك المبادرات والمشروعات التي تتعامل معها "أضف" حيث بلغ عدد الساعات المُضافة على أرشيف مشروع المريخ 172 ساعة ضمن أكثر من 2000 ملف "فيديو"، حيث تم إصلاح بعض المشاكل التقنية التي واجهت "مشروع المريخ" في هذا الأرشيف كذلك أرشيف تعاونية مُصِرّين وتم تعديل أولويات فريق عمل كلا منهم لأن التوطين والتعريب كان يحتل المرتبة الثالثة أو الرابعة لديهم ولكن الآن أصبح بالمرتبة الأولى بالتوازي مع أولويات "أضف".

على الجانب الأخر تم فتح نقاش مع المسؤولين عن pan.do/ra وتم التعرف على بعض الخصائص الجديدة المتعلقة بأرشفة الصور والنصوص واستخدمها داخل النظام وربط النظام بمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة كما تم التعرف على خطط التطوير في إعداد قوائم المشاهدات وتصنيفها، ورغباتهم في إعداد أرشيف ضخم عن السينما الهندية والتركية. تأمل "أضف" في تلك المرحلة إقامة علاقة استراتيجية تساعد في إنجاز المشروعات المختلفة المتعلقة بنظام الأرشفة مثل "مركز الجنوب للحق" والذي يعمل على توثيق أحداث الثورة في الصعيد، وتكوين أرشيف لـ "المورد الثقافي"، ولـ مبادرة "سيماتك" وهو مركز الفيلم البديل؛ فضاء متعدد الأغراض مفتوح للجمهور ولصناع السينما يحتفي بالفيلم ويسعى لدعم احتياجات صناعة السينما المستقلة في مصر. وكذلك تسعى "أضف" أن يهتم فريق عمل Qsoft منفذي برنامج "البرنامج" إلى استخدام ذلك النظام الأرشيفي لتسهيل مهمة الباحثين المشتركين في إعداد الحلقات والفقرات، حيث تم تعريف أعضاء فريق العمل بمزايا الأرشيف وتسعى "أضف" لإتمام هذا الاتفاق.

وفي نفس الإطار، تتطلع "أضف" لبناء مجموعة من الأراشيف المتكاملة لأنواع متعددة من الوسائط الإعلامية تترابط مع بعضها البعض لتكون صورة متكاملة عن حدث معين بما يشمل المعلومات المتوفرة عنه بصيغها النصية والمصورة أو المسموعة بالإضافة إلى الفيديوهات، وفي هذا السياق تعمل "أضف" حاليا في بناء أنظمة لأرشفة تلك الوسائط (النصية والمصورة والمسموعة) لتتمّة مجموعة الأدوات اللازمة لبناء أراشيف حرّة متعددة الوسائط.

تتمنى "أضِف" أن تخرج من النطاق المحلي لدعم مشروعات تعتمد في أعمالها على الأرشيف لتصل إلى مكتبات وأراشيف في دول أخرى، تحافظ بها أيضا على التاريخ الإنساني والإبداعي المتوفر لدى مجموعات ومبادرات أخرى، لتطرحه أيضا لعموم الفائدة لجميع المهتمين من أجل دعم المعرفة الحُرة.