نص الكتيب
بعد سنوات طويلة في عملها بالصحافة، تركت رنوة يحيى المهنة في عام 2005، وكتبت خلال الشهور اللاحقة مقالة عن حال التعليم في مصر، وهو ما تزامن مع إدراكها خلال هذه الأشهر، لكم المجهود والطاقة المطلوبين منها وزوجها علي لمواكبة التطورات التقنية التي كان يتفاعل معها ابنهم نبيل؛ الذي كان يكبر مُحاطً بلغة جديدة لا يشعر تجاهها بأي غرابة أو اغتراب، حيث لم تُعد اللغة الرقمية مجرد مساحة للتسلية وإضاعة الوقت كما كانت تُوصم في جيلي رنوة وعلي، بل أصبحت في حد ذاتها وسيلة لمراكمة المعرفة القائمة على اللعب والتعلم والاكتشاف، وهامش لتعبير الفنية والشباب عن أفكارهم وتطلاعتهم عن طريق هذا الوسيط.
انطلاقًا من هذا الإدراك بأهمية دور التعبير في تنشئة الفتية والفتيات وارتباطه في هذا العصر باللغة الرقمية، قررت رنوة تطوير منهجيتها في البحث؛ مستعينة بشبكة واسعة ومتنوعة من التقنيين والفنانيين والكتّاب والأدباء من مختلف دول المنطقة العربية كانت قد كوّنتها خلال سنوات عملها الطويلة كصحفية في لبنان، وهم أفراد فاعلون حتى اليوم في مجالاتهم واستندوا في ممارساتهم المهنية والفنية على وسائط مختلفة للتعبير عن أفكارهم. امتدت هذه المرحلة لخمسة أشهر، قابلت خلالها رنوة ما يقارب خمسون شخصًا، في بيروت والقاهرة، وتكللت هذه الفترة البحثية بصياغة ورقة مفاهيمية عن المشروع من صفحتين في أوائل 2006 يقترح الفكرة الرئيسية للمشروع، مُحددًا هويته القائمة على أربعة محاور؛ أهمية خلق مساحة للفتية والفتيات دون سن السادسة عشر للتعبير عن أنفسهم، قادمون من مختلف الدول العربية، وذلك باستخدام وسائط رقمية خلال هذه التجربة، في جو من التجريب والاكتشاف واللعب في إطار معسكرات. ارتكزت هذه الهوية على أربع مجالات رئيسية خلال المعسكرات؛ الفيديو، الصوت والموسيقى، التعبير البصري والحوسبة.
على إثر ذلك، طلبت رنوة اجتماع من مجلس إدارة شركة "تيم انترناشيونال" الذي كان علي شعث مديرها آنذاك؛ وهي تضم خبراء عرب في الإدارة والهندسة بالأساس، وكانت الشركة لها خبرة سابقة في دعم "معسكرات الكومبيوتر" في أوائل ثمانينات القرن الماضي لتعليم البرمجة للفتية العرب (معسكرات "تيم" - صورة للوجو)، وعرضت عليهم نتائج البحث؛ مُحفزّة إياهم على ضرورة إعادة إحياء روح معسكرات الكومبيوتر من خلال طلب دعم من "تيم" لتنفيذ المشروع. وافقت شركة "تيم" بالفعل على تمويل المشروع لمدة سنتين على أن يستطيع بعد ذلك تمويل ذاته. كانت نتيجة ذلك الاجتماع هو حصول رنوة على مكتب في "تيم" ومنفذ إلى خبراء الشركة، الذين كانوا مشتبكين بالفعل مع ما يجري حول العالم من تطور تقني ومهتمين أيضًا بتعريب المعرفة لتناسب سياقات البلدان العربية.
مع وجود دعم مادي ولوجستي، انطلق إذّا معسكر الفتية الأول في عام 2007 (صور للمعسكر - لوجو اللي صممته لينا مهرج: المعسكرات أول سنتين (اللوحو القديم) / لوجو محي الدين اللبّاد: لوجو تيم.) الذي امتد لثلاث أسابيع، والتي تم قصرها على أسبوعين لاحقًا. ضمّ المعسكر فتيات وفتيان من سن 12 إلى15 من مختلف الدول العربية. يحتوي برنامج معسكر الفتية على ورشات تدمج بين التقنية والفنون بالإضافة إلى ورشات التعبير في المسرح والرقص المعاصر والفنون اليدوية والرياضة. ويحتوي البرنامج تنوع واسع بدءًا من التدريب على أسس ومبادئ الكمبيوتر وصولًا إلى محتوى محترف في التقنية وبالتالي يلائم البرنامج طيف واسع بحيث يتيح الفرصة لكل فتى أو فتاة بالتقدم للمشاركة بغض النظر عن مستوى المهارة التقنية.
خرج فريق المعسكرات من التجربة الأولى بعدة دروس، أهمها هو عدم فعالية استخدام شباب الكشّافة لتيسير الورشات، حيث أن المشكلة الحقيقية هي في إيجاد مدربين وميّسرين مؤمنين بقيّم التجريب والاكتشاف، يستخدمون في مُمارساتهم المختلفة أدوات ووسائط رقمية. بناءً على ملاحظات ودروس معسكر 2007، طور فريق المعسكرات رؤيته بضرورة إقامة ورشة "تدريب مدربين" في 2008؛ وهي مجموعة من الورشات تضم شق تقني وآخر تربوي متعلق بكيفية التفاعل والتواصل مع فئة الفتية والفتيات دون السادسة عشر، وقام الفريق بصياغة دعوة للتقديم على ورشة "تدريب مدربين" لاختيار 6 مدربين متخصصين من أصل 26 شخص متقدم في المجالات الأربعة للمعسكر ليخوضوا تجربة المعسكرات كمدربين (صور لتدريب المدربين في 2007). لاحقًا، أصبحت ورشة "تدريب المدربين" مرحلة إلزامية يمر عليها كل من يريد أن يصبح مدربًا في معسكرات أضف للفتية وهي المساحة التي تتجلى فيها ثِقَل رؤية فريق المعسكرات في ضرورة اكتساب المدربين أساليب التعامل التربوي مع الفتية بالتوازي مع المهارات التقنية المختلفة.
راحت شبكة فريق المعسكرات تزداد عددًا وتنوعًا بعد إقامة كل معسكر مُمتدة وراء حدود مصر حيث شملت دول عربية مختلفة من أبرزها لبنان وتونس. تكوّنت هذه الشبكة بالأساس من المُعسكرين القدامى، الذين أضحوا في السنوات اللاحقة "رواد أسر" لمجموعات الفتية المختلفة المُشاركة بالمعسكر وأصبح فريق المعسكرات ككل يمر بالتدريب التربوي ليكتسب كل الفريق المٌنخرط في التجهيز للمعسكر أدوات التعامل مع الفتية والفتيات التربوية إلى جانب المحتوى التقني (صور لسناء وبحور – معسكرين ثم كرواد أسر). تواكبت هذه التطورات مع التأسيس القانوني للمؤسسة في عام 2009 تحت عنوان "أضف"، مستوحى من أول أربعة حروف لاسم المؤسسة رسميًا بالإنجليزية "Arab Digital Expression Foundation (ADEF)"، التي أصبحت في العربية "مؤسسة التعبير الرقمي العربي". بعد التأسيس، انتقل فريق المعسكرات إلى ما سيصبح مقر أضف الدائم بحي المقطم في 2011 والذي تم افتتاحه رسميًا في فبراير 2012.
يُذكر أن مخيم أضف للفتية 2017 يقام للسنة الحادية عشر على التوالي بعد 10 أعوام متتالية من النجاح شارك خلالها 572 فتى وفتاة من سن 12 إلى 15 سنة و 240 مدربًا ومدربة من سن 20 إلى 35 سنة ينتمون إلى 10 بلدان عربية.
ساهمت هذه التطورات في تأكيد رؤية أضف بخصوص دعم الثقافة الحرة وتزامن ذلك مع حراك اجتماعي كبير بالمجتمع المصري بعد 2011 وتكاثر المبادرات الشبابية في شتى المجالات فقررت المؤسسة مدّ يد الشراكة والدعم لمجموعات الشباب المختلفة المنخرطة في المجتمع المدني وذلك من خلال برنامج دعم مبادرات التعبير الرقمي (متر). امتد مشروع متر لثلاث سنوات (2011 – 2013) وكان الهدف منه دعم المشروعات المستقلة والكيانات الأهلية في مصر وتونس من خلال صندوق التعبير الرقمي التابع لمؤسسة أضِف، المتاح للمنظمات والمبادرات والأفراد والمشروعات التي لا تزال في مرحلة التنفيذ والتطوير. حصلت المؤسسات والهيئات المختارة على التمويل المادي، وكذلك على دعم فني واستشاري يقدمه مجموعة من الخبراء في مجالات الدعم المختلفة. كما ساهم فريق "أضِف" في إيضاح الرؤية وتقديم المشورة والدعم الإداري للأفكار المطروحة من خلال عقد ورش عمل أثناء عملية التخطيط وتنفيذ تلك المبادرات أو المشاريع. لم يقتصر الدعم على تقديم التمويل المادي وحسب بل سعى فريق أضف إلى إيجاد أنماط مبتكرة من الشراكة مع المشروعات المدعومة.
تحت مظلة مشروع "متر"، وجدت ثلاث مبادرات مختلفة؛ الأولى وهي "أضف دعم" وتقدم ثلاث أنواع من الدعم الفني والاستشاري بهدف دعم بنية المشاريع المتقدمة لتمكينها من لعب دور فعال في مجتمعاتهم واستفاد من هذه المبادرة الشركات والجمعيات والأفراد. المبادرة الثانية وهي "أضف جيران" والتي استهدفت دعم وسفر وتنقل شباب وأفراد ومؤسسات ومجموعات العمل الشبابية، وبشكل خاص من وإلى مصر وتونس، لإتاحة مزيد من فرص التعلم وتعزيز فرص الاكتشاف وتبادل الخبرات في مجالات الإعلام والتكنولوجيا والتعبير الرقمي، مع توفير تكاليف السفر والإقامة. المبادرة الثالثة هي "أضف أنتم" وتقدم دعم مالي لثمان مشاريع مستقلة، مستهدفةً التنمية الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية بطرق جديدة ومبدعة. تضمّن برنامج دعم مبادرات التعبير الرقمي في مُجمله حوالي 16 شريك، تنوعوا بين جمعيات، شركات وأفراد.
بعد كل "تدريب مدربين" يلحقه معسكر للفتية، راحت دائرة أضف تكبر وتتشعب في مصر وخارجها فأصبح من الضروري خلق مساحة لهؤلاء الشباب الآتين من خلفيات مهنية وممارسات فنية متنوعة لكي يلتقوا ويتبادلوا خبراتهم ويعملوا سويًا على مشروعات تهمهم. انطلاقًا من ذلك، نشأت فكرة معسكرات أضف للشباب. أقيمت النسخة الأولى من معسكر الشباب في عام 2014 بمصر، تحت عنوان "معسكر الإعلام الحر"، شارك خلاله ٢٨ مدرب ومُيّسر في الفئة العمرية ٢٠-٤٠، و٤٩ متقدم في الفئة ١٨-٣٥ جاؤوا من فلسطين ولبنان والمغرب والسودان والأردن واليمن والبحرين وتونس وسوريا، تنوعت خلفياتهم بين الفئات المستهدفة من التعاونيات والجماعات الطلابية واللجان الشعبية والعمالية والمبادرات والمنظمات غير الحكومية والفرق الإعلامية والمنابر والتعاونيات الإعلامية المحلية ومجتمعات الفنانين والتقنيين. في نسخته الثالثة عام 2016، انتقل معسكر الشباب إلى لبنان، حيث أصبح يٌقام في مكان ناءٍ وبسيط في جبل لبنان، وشارك في المخيم ذلك العام ٤٠ مشارك اختبروا خلالها أكثر من ذي قبل بيئة تليق بطبيعة المشروع كتجربة تشاركية في التنظيم الذاتي للمعيشة والعمل والتعلم.
"دكة أضف"
وفي حين استمرت شبكة أضف في الازدياد المطرد، إلا أن حرص فريق أضف على استمرارية التفاعل والتأثير طوال العام وعدم اقتصاره على أسبوعي المعسكرات دفعهم إلى التفكير في ضرورة خلق مساحة على الأرض يستطيعون من خلالها إقامة فعاليات وأنشطة مختلفة طوال العام، بحيث يتأسس حضور المؤسسة على الأرض نفسها وتزداد شبكاتها استقرارًا في تواصلها وتفاعلها معها، ومن هنا جاءت فكرة "دكة أضف".
المساحة المجتمعية لمؤسسة التعبير الرقمي العربي "دكة أضف" هي إذًا إحدى مشروعات دعم التعبير باستخدام الوسائل التكنولوجية؛ تقدمها "أضف" للفتية والشباب الباحثين عن مساحة حرة للتعبير عن أنفسهم وتبادل الخبرات والمعارف والتشارك فيها والتعاون من أجل خلق بيئة سوية تحترم تلك المبادئ. كانت من أولى الخطوات التي قام بها فريق أضف بعد انتقاله في 2010 إلى مقرهم الدائم بحي المقطم هو القيام "بمسح مجتمعي" للتعرف على البيئة المهنية والاجتماعية والثقافية للحي وطبيعة المبادرات والفعاليات الموجودة به.
كانت البداية الفعلية "لدكة أضف" في سبتمبر 2012 حيث أقامت المدربة منى الصبّاحي (صور) أول ورشة جرافيتي ومن ثم توالت وتنوعت الأنشطة التي استضفتها المساحة المجتمعية؛ حيث وصل عدد مجمل الورشات في عام 2013 التي استضفتها "دكة أضف" إلى عشر ورشات في مجالات الفنون البصرية، الكتابة، الصوت والموسيقى، التقنية ونظم المعلومات الحرّة والفنون اليدوية. ارتفع هذا الرقم إلى ثمان عشر ورشة في 2016.
كما أن من أبرز فعاليات دكة أضف "سيما دكة"، وهي عبارة عن نادي للسينما يستهدف بالأساس جمهور المقطم من شباب وشابات يرغبون في مشاهدة أفلام مختلفة لا تُعرض بالضرورة في دور العرض التقليدية. "سيما دكة" هي إذًا جزء من أنشطة أضف الترفيهية إلى جانب "سهرة الخميس" (صور) وذلك بهدف تغيير رؤية الجمهور لهذه النوعية من الأنشطة والشعور بأهميتها من حيث كونها أنشطة بها محتوى تربوي وتعليمي في إطار ترفيهي. بدأت "سيما دكة" عروضها في أكتوبر 2013 (صور لأول عرض) ويقوم المسؤول عن "دكة أضف" بتحضير "تيمة" شهرية تجمع أربع أو خمس أفلام. من بداية 2016، أصبح هناك "تيمة سنوية" بعنوان "سيما دكة حول العالم" (لوجو)، حيث يتم عرض أفلام من أماكن مختلفة من العالم مثل "أمريكا، بريطانيا، فرنسا، أمريكا لاتينية، اليابان". منذ بدايتها حتى سبتمبر 2017، أقامت "سيما دكة" 135 عرض.
مشروع تمكين الشباب رقميًا – شمشر
بمشروع تمكين الشباب رقميًا – شمشر، الذي انطلق في 2014، تهدف مؤسسة التعبير الرقمي العربي أضف إلى تعزيز قدرة الشباب في مناطق مختارة في القاهرة ومحافظات غيرها على التعبير بحرية بأدوات رقمية وفنية، والمشاركة كأفراد فاعلين في مجتمعهم المحلي، بالإضافة لتطوير نظم إدارة المساحات المجتمعية للمؤسسات الشريكة في المشروع ومن ضمنها "دكة أضف”.
بدأ مشروع شمشر بتطوير مناهج التعبير الرقمي في مجالات حرف وفنون الفيديو، والصوت والموسيقى، والتعبير البصري ومنهج الحوسبة. تضمّنت عملية تطوير المناهج ورشات قادها خبراء تطوير مناهج تربويةبغرض تضمين القيم التربوية.
كوّنت إدارة المشروع شراكات مع مؤسسات ومبادرات معنية بالتعليم البديل والفنون والتنمية وهي جمعية ألوان وأوتار وجمعية حقق حلمك ومؤسسة رواد التنمية وجمعية النهضة العلمية والثقافية "جيزويت القاهرة" في القاهرة، مركز التكعيبة في القليوبية، ومبادرة المدينة للفنون ومبادرة طُراحة في الإسكندرية. تضمنت هذه الشراكات تجهيز معامل تعبير رقمي في مساحات المؤسسات الشريكة كما تم تقديم تدريبات بناء قدرات للعاملين بتلك المساحات لإعدادهم لاستضافة وتنظيم المدارس الصيفية.
تضمن المشروع أيضا "تدريب مدربين" على المناهج المطورة وعلى مهارات التربية وسياسة حماية الطفل ومهارات التيسير، لتأهيل المدربين التعامل مع الفتية في المرحلة العمرية بين (12-15) سنة و (16-21) سنة وتم ذلك على مرحلتين في ورش منفصلة عام 2016 وفي معسكر تدريبي في عام 2017.
استهدفت المدارس الصيفية فتية وفتيات من المجتمعات المحلية للمؤسسات الشريكة وأقيمت المدارس في شهري يوليو وأغسطس لعامي 2016 و2017 انتج المشاركون خلالها العديد من المشاريع الفنية، أفلام قصيرة ومقاطع صوتية وموسيقية عُرضت في احتفالية أقيمت في نهاية المدارس بحضور أهالي الفتية والفتيات.